كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: أصله من بروك الإبل.
ويقال للواحد بارك، وللجماعة برك.
وكان الإنسان إذا كان له إبل كثيرة وقد برك هو على الباب يقولون: فلان ذو بركة، ويقولون للذي كان له إبل تحمل إليه الأموال من بلاد بعيدة: فلان ذو بركة، فصار ذلك أصلًا، حتى أنه لو كان له مال سوى الإبل لا يقال فلان ذو بركة.
قال الله تعالى: {تبارك} أي ذو البركة.
ويقال: أصله من الدوام.
ويقال: بارك في موضوع إذا دام فيه.
ويقال: معناه البركة في اسمه وفي الذي ذكر عليه اسمه.
ثم قال: {الذى نَزَّلَ الفرقان} يعني: أنزل جبريل عليه السلام بالقرآن والفرقان هو المخرج من الشبهات {على عَبْدِهِ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} يعني: ليكون الفرقان نذيرًا للإنس والجن.
ويقال: يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ويقال يعني: الله تبارك وتعالى وأراد ها هنا جميع الخلق، وقد يذكر العام ويراد به الخاص من الناس، كقوله عزّ وجل: {يا بنى إسراءيل اذكروا نِعْمَتِىَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} [البقرة: 47و122] أي: على عالمي زمانهم، ويذكر ويراد به جميع الخلائق، كقوله: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الفاتحة: 2] ثم قال عز وجل: {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} يعني: خزائن السموات والأرض.
ويقال: له نفاذ الأمر في السموات والأرض.
{وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} ليورثه ملكه {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ في الملك} فينازعه في عظمته.
{وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء} كما ينبغي أن يخلقهم.
{فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} يعني: بين الصلاح في كل شيء، وجعله مقدرًا معلومًا.
ويقال: كل شي خلقه من الخلق فقدره تقديرًا، أي: قدر لكل ذكر وأنثى.
قوله عز وجل: {واتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} يعني: تركوا عبادة الله الذي خلق هذه الأشياء، وعبدوا غيره.
{لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا} يعني: عبدوا شيئًا لا يقدر أن يخلق ذبابًا، ولا غيره {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يتخذونها بأيديهم {وَلاَ يَمْلِكُونَ لاِنفُسِهِمْ ضَرًّا} أي: لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءًا {وَلاَ نَفْعًا} أي لا تقدر أن تسوق إلى نفسها خيرًا.
ويقال: لا يملكون دفع مضرة، ولا جر منفعة.
{وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا} يعني: لا يقدرون أن يميتوا أحدًا {وَلاَ يَمْلِكُونَ} أي: ولا يحيون أحدًا {وَلاَ نُشُورًا} يعني: بعث الأموات.
ويقال: ولا يملكون موتًا، يعني: الموت الذي كان قبل أن يخلقوا، ولا حياة، يعني: أن يزيدوا في الأجل، ولا نشورًا بعد الموت.
ويقال: {لاَّ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حياة} يعني: أن يبقوا أحدًا {وَلاَ نُشُورًا} يعني: أن يحيوه بعد الموت.
وإنما ذكر الأصنام بلفظ العقلاء، لأن الكفار يجعلونهم بمنزلة العقلاء، فخاطبهم بلغتهم.
ثم قال عز وجل: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} يعني: كفار مكة {إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ} يعني: ما القرآن إلا كذب {افتراه} يعني: كذبًا اختلقه من ذات نفسه {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ ءاخَرُونَ} يعني: جبرًا ويسارًا {فَقَدْ جَاءوا ظُلْمًا وَزُورًا} وقال بعضهم: هذا قول الله تعالى ردًّا على الكفار بقولهم هذا {فَقَدْ جَاءوا ظُلْمًا وَزُورًا} يعني: شركًا وكذبًا {وَقَالُواْ أساطير الاولين اكتتبها} يعني: أباطيل اكتتبها، أي كتبها من جبر ويسار يعني: أساطير الأولين.
{فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} يعني: تقرأ وتملى عليه {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} يعني: غدوة وعشية.
قوله عز وجل: {قُلْ} يا محمد {أَنزَلَهُ} يعني: القرآن {الذى يَعْلَمُ السر في السموات والأرض} يعني: يعلم السِّرَّ والعلانية، ومعناه: لو كان هذا القول من ذات نفسه لعلمه الله تعالى، وإذا علمه عاقبه، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 44، 45] ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فكأنه يقول: ارجعوا وتوبوا، فإنه كان غفورًا لمن تاب، رحيمًا بالمؤمنين.
قوله عز وجل: {وَقَالُواْ مَّالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} مثل ما نأكل {وَيَمْشِى في الاسواق} يعني: يتردد في الطريق {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} يعني: معينًا يخبره بما يراد به من الشر {أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ} يعني: يعطى له كنز {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} يعني: بستانًا {يَأْكُلُ مِنْهَا} أي وذلك أن كفار قريش اجتمعوا في بيت، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم، فقال له العاص بن وائل السهمي وقريش معه: قد تعلم يا محمد أن لا بلاد أضيق من بلادنا ساحة، ولا أقل أنهارًا ولا زرعًا، ولا أشدَّ عيشًا، فادع ربك أن يسير عنا هذه الجبال، حتى يفسح لنا في بلادنا، ثم يفجر لنا فيها أنهارًا، حتى نعرف فضلك عند ذلك.
ونراك تمشي في الأسواق معنا تبتغي من سير العيش، فاسأل ربك أن يجعل لك قصورًا أو جنانًا، وليبعث معك ملكًا يصدقك، فنزل حكاية عن قولهم: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} قرأ حمزة والكسائي: نأكل بالنون، وقرأ الباقون بالتاء.
{وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ} يعني: ما تطيعون يا أصحاب محمد {إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} يعني: مغلوب العقل.
ويقال: مسحورًا أي مخلوقًا، لأن الذي يكون مخلوقًا يكون حياته بالمعالجة بالأكل والشرب، فيسمى مسحورًا.
ويقال: مسحورًا أي سحر به.
قوله عز وجل: {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الامثال} يعني: انظر يا محمد كيف وصفوا لك الأشباه إلى ماذا شبهك قومك بساحر وكاهن وكذاب {فُضّلُواْ} عن الهدى، ويقال ذهبت حيلتهم، وأخطؤوا في المقالة.
{فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلًا} يعني: لا يجدون حيلة، ولا حجة على ما قالوا لك، ولا مخرجًا لأنه تناقض كلامهم، حيث قالوا مرة: مجنون، ومرة: ساحر.
ثم قال عز وجل: {تبارك} وتعالى، وقد ذكرناه {الذى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مّن ذلك} يعني: خيرًا مما يقول الكفار في الآخرة {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا} في الجنة، ويقال في الدنيا إن شاء أعطاك.
وروى سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: عن خيثمة قال: قيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتحها ما لم نعط من قبلك أحدًا، ولا نعطي من بعدك أحدًا، ولا ينقص ذلك مما عند الله شيئًا وإن شئت جمعناها لك في الآخرة.
قال صلى الله عليه وسلم: «بَلْ اجْمَعُوها لِي في الآخِرَة» فنزل {تَبَارَكَ الذي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مّن ذلك} الآية قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر {وَيَجْعَلُ} بضم اللام على معنى خبر الابتداء والباقون بالجزم لأنه جواب الشرط ثم قال عز وجل: {بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} معناه ولكن كذبوا بالساعة يعني: بالقيامة {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيرًا} يعني: هيأنا لمن كذب بالقيامة وقودًا، وهُوَ نار جهنم {إِذَا رَأَتْهُمْ} جهنم {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} يعني: من مسيرة خمسمائة عام.
ويقال: من مسيرة خمسمائة سنة {سَمِعُواْ لَهَا} يعني: منها {تَغَيُّظًا} على الكفار {وَزَفِيرًا} يعني: صوتًا كصوت الحمار.
وقال قوم: معناه يسمعون منها تغيظ المعذبين وزفيرهم، كما قال: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] وقال عامة المفسرين: التغيظ زفير يسمع من النار، ألا ترى أنه قال: {سَمِعُواْ لَهَا}، ولم يقل: سمعوا منها، ولا فيها.
وقال في آية أخرى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8] وروي في الخبر «أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسل إلا خرَّ على وجهه ترعد فرائصهم حتى إن إبراهيم الخليل عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: يا رب لا أسألك إلا نفسي» ثم قال عز وجل: {وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا} يعني: فيها {مَكَانًا ضَيّقًا} يعني: يضيق عليهم المكان كتضييق الزُّجِّ من الرُّمح {مُقْرِنِينَ} أي: مسلسلين في القيود، موثقين في الحديد قرنوا مع الشياطين {دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا} فعند ذلك دعوا بالويل، يعني: يقولون: واهلاكاه، فتقول لهم الخزنة {لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُورًا واحدا وادعوا ثُبُورًا كَثِيرًا} يعني: ادعوا ويلًا كثيرًا دائمًا.
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمد لكفار مكة {أذلك خَيْرٌ} يعني: هذا الذي وصف من العذاب خير {أَمْ جَنَّةُ الخلد} فإن قيل كيف يقال خير وليس في النار خير؟ قيل له: قد يقال على وجه المجاز، وإن لم يكن فيه خير، والعاقبة تقول العاقبة خير من البلاء، وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم {التى وُعِدَ المتقون} يعني: الذين يتقون الشرك والكبائر.
{كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا} يعني: جزاء بأعمالهم الحسنة ومرجعًا إليها.
ثم قال عز وجل: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} أي: يحبون {خالدين} أي: دائمين في الجنة {كَانَ على رَبّكَ وَعْدًا} منه في الدنيا {مَسْؤُولًا} يسأله المتقون.
ويقال: {مَسْؤُولًا} يسأل لهم الملائكة عليهم السلام، وهو قوله عز وجل: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وأزواجهم وذرياتهم إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [غافر: 8] ويقال: وعدًا على لسان رسولهم، وقد سألوا الله عز وجل ذلك، وهو قوله: {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} ويقال: وعدًا لا خلف فيه لمن سأله.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} يعني: نجمعهم {وَمَا يَعْبُدُونَ} يعني: ونحشر ما يعبدون {مِن دُونِ الله} يعني: الأصنام.
ويقال المسيح وعزير.
ويقال: الملائكة عليهم السلام {فَيَقُولُ أَءنتُمْ أَضْلَلْتُمْ} يعني: أأنتم أمرتم {عِبَادِى هَؤُلاَء} أن يعبدوكم {أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل} يعني: أم هم أخطؤوا الطريق، فتبرأت الملائكة والأصنام.
قوله تعالى: {قَالُواْ سبحانك} أي: تنزيهًا لك {مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا} أي: ما يجوز لنا {أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} وقرأ الحسن وأبو جعفر المدني أن {نَّتَّخِذَ} بضم النون ونصب الخاء، ومعناه: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك إلها فيعبد.
وقراءة العامة بنصب النون وكسر الخاء، يعني: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فيعبدوننا.
ويقال: معناه ما كان فينا روح نأمرهم بطاعتنا.
ويقال: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فنعبدهم، فكيف نأمر غيرنا بعبادتنا، كقوله تعالى: {قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [سبأ: 41] قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} بالياء.
{فَيَقُولُ} بالياء وقرأ ابن عامر كليهما بالنون.
وقرأ الباقون الأول بالنون والثاني بالياء.
ثم قال: {ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَءابَاءهُمْ} يعني: أن هذا كان بكرمك وفضلك، حيث لما عصوك لم تمنع عنهم الدنيا حتى اغتروا بذلك، وظنوا أنهم على الحق، حيث لم يصبهم بلاء ولم تمنع منهم النعمة، فذلك قوله تعالى: {ولكن مَّتَّعْتَهُمْ} يعني: تركتهم في الدنيا يتمتعون، وأجلتهم وآباءهم في المتاع والسعة.
{حتى نَسُواْ الذكر} يعني: تركوا التوحيد والإيمان بالقرآن.
{وَكَانُواْ قَوْمًا بُورًا} أي هلكى فاسدين.
وأصله الكساد يقال: بارت السوق إذا كسدت.
وقال الكلبي: بورًا يعني: هالكين، فاسدة قلوبهم، غير متقين، ولا محسنين.
يقول الله تعالى لعبدة الأوثان {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} يعني: الأصنام، ويقال الملائكة {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا} يعني: لا يستطيع الكفار انصرافًا إلى غير حجتهم التي تكلموا بها.
ويقال: لا يستطيعون صرفًا، أي: انصرافًا عن حجتهم ولا نصرًا، يعني: ولا ينتصرون من آلهتهم حين كذبتهم.
ويقال: لا يقدرون، يعني: الأصنام، ولا الملائكة صرف العذاب عنهم {وَلاَ نَصْرًا} يعني: لا يمنعونهم منه.